“يحكى في غابر الزمان أن تاجراً ثرياً من مدينة بغداد كان لديه عدد من العمال يعملون في تجارته ويسعون على أرزاقه، وقد قام التاجر في أحد الأيام بتفقد أمواله فاكتشف أن أحد أكياس نقوده مفقود ولم يعثر عليه، وبعد طويل تفكير شك التاجر أن الكيس مسروق وأن من قام به هو أحد عماله العشرة الذين يحفظون أمواله ويودعونها في مأمنها.
استدعى التاجر عماله جميعاً وأخبرهم بسرقة كيس النقود، ثم ما لبث أن وزع على كلٍ منهم حبلاً مماثلاً في الطول لبقية الحبال الأخرى، خاتماً لقاءه مع عماله بالقول إنه سيتفقد الحبال جميعاً في صباح اليوم التالي، وأن السارق سيزداد طول حبله بمقدار سنتيمترات عشرة وسيكشف أمام الجميع.
بعد أن ذهب العامل السارق إلى بيته قام بقص أحد طرفي الحبل بمقدار عشرة سنتيمترات وأوى إلى فراشه مطمئناً إلى نجاته في لقاء اليوم التالي. في الصباح استدعى التاجر عماله ووجد ضالته في الحبل القصير الذي كشف له الشخص السارق، ومن هنا جاءت مقولة حبل الكذب قصير.
لا يقتصر وصف الحبل المصنوع من الكذب على قصره فحسب، بل هو أبعد من ذلك بكثير. إنه حبل يلتف على عنق صاحبه ويقوده إلى الفجور في القول والفعل فاتحاً ومشرعاً باباً من أبواب النار. وهكذا البشر، لو تأملنا علاقاتهم التي تنتهي إلى مرحلة الفُجر في الخصومة، فلا بد أن نبحث عن حبل الكذب الذي قاد صاحبه إلى ذلك الفجور وأفضى إلى ما أفضى إليه، بعد أن عالج الكذب بالكذب وتحراه في قوله حتى كان وصفه كذابا (أي بليغ الكذب وكثيره).”