“كلثوم لحمادي” سيدة من سيدات مدينة العيون، و أستاذة ب ” مقرأة الورشان ” استثمرت وقتها وجهدها في حفظ وصون كتاب الله، عبر تحفيظه للناشئة جزاها الله خير الجزاء.
و الطفل “عبد الله الحروشي” الذي لم يتجاوز ربيعه العاشر، هو ثمرة من قطاف هذا المسار القرٱني العظيم لسيدة مربية عظيمة من طراز الأستاذة “كلثوم”.
بالأمس احتفل هذا الطفل ومعلمته وأهله وعموم الناس بتخرجه من هذه “المدرسة الكلثومية” حاملا لكتاب الله حفظا ومراجعة واتقانا ما شاء الله.
السيدة كلثوم تعيد بهكذا مواقف الأمل من جديد، وبهذا التحدي تفتح الباب مجددا لعودة المجتمع للمنهل الأول، حيث كان لكتاب الله مكانته وحضوره في القلوب كما الصدور كما الألسن كما المعاملات.
انها قصة ملهمة في واقعنا اليوم توثق للدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الأم بالولادة كما الأم بالتربية في حياة الطفل وربطه بحبل الله المتين (القرٱن الكريم)، قصة تجعلنا نستحضر قصصا أخرى مشابهة من تراثنا الاسلامي.
مثل قصة “الإمام مالك” الذي قال: نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بني دع الغناء واطلب الفقه. فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى.

غير بعيد ثمة قصة إمام ٱخر هو الإمام المحدث “أحمد بن حنبل” الذي قال: “حفظتني أمي القرآن وأنا ابن عشر سنين وكانت توقظني قبل صلاة الفجر وتُحمي لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة، وتُلبسني ملابسي، ثم تتخمر وتتغطى بحجابها، وتذهب معي إلى المسجد؛ لبعد بيتنا عن المسجد ولظلمة الطريق”.
الإمام “الحافظ ابن حجر”، له كذلك قصة مماثلة لكنها بختم الأخت. فهي التي ربّته أحسن تربية، وقد قال عنها: كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي.
“سفيان الثوري” أمير المؤمنين في الحديث بدوره له قصة، فقد قال: لما أردتُ طلب العلم قلتُ: يا رب، لابد لي من معيشة، ورأيتُ العلم يضيع، فقلتُ: أفرغ نفسي في طلبه، وسألتُ الله الكفاية (أن يكفيه أمر الرزق)، فكان من كفاية الله له أن قيَّض له أمه، التي قالت له: يا بنيّ، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي.

وهناك قصة أخرى لأم الخليفة الأموي “عبد الرحمن الناصر” الذي حكم الأندلس، وأحيا الخلافة الأموية، ثم خاض المعارك والملاحم مع الأوروبيين، وأصبحت قرطبة في عهده مقر خلافة يحتكم إليها أمراء أوربا وملوكها، حيث كانت هي سر كل ذلك النجاح بعد توفيق الله سبحانه.
وليس بعيدا عن هذه القصص، نجد أم السلطان “محمد الفاتح” التي كانت تأخذه وهو صغير وقت الفجر؛ ليشاهد أسوار القسطنطينية وتقول له: أنت يا “محمد” تفتح هذه الأسوار.. اسمك محمد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومحمد الصغير يقول: كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة؟! فترد قائلة: بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس.
هنيئا للأم بالتربية والرعاية والتعليم السيدة “كلثوم لحمادي” هذه القصة التي نسجتها بصبرها وحِلمها حتى أصبحت ” قصة إلهام” ونموذج حي ودافع لكل الأمهات والمربيات والمعلمات لسلك نفس الطريق ونسأل الله أن يتقبل منها هذا العمل ويجعله في ميزان حسناتها.